وکالة أنباء فارس

الفرض الذي يغلب عند المشايخ السلفيين حول الرضوخ لحكم حاكم الجور وحرمة الخروج عليه هو انه مبدأ منبثق عن الدين ، وبناء على هذا المبدأ لا يجوز الخروج على الحاكم ما لم يصدر حكما بتكفيره . المقال التالي يلقي نظرة عابرة على موقف الامام الخميني (ره) من موضوع الخروج على الظالم ومقارنته بفتاوى مشايخ السلفية .
 

ففي مقال نشره موقع "برهان" بقلم الدكتور "صداقت ثمر حسيني" يجري التنويه الى ان اهم نتائج ثورات العالم العربي الاخيرة والتي يمكن تصنيفها بانها من اهم مجالات الصحوة الاسلامية هي ادانة الظلم والجور واعادة النظر في موضوع سيادة الحاكم الجائر . هذا في حين اعلن الامام الخميني (ره) قبل عدة عقود بان الخروج على حاكم الجور هو تكليف شرعي وواجب من اجل صيانة الاسلام . ومن هذا المنطلق نرى ان العالم الاسلامي بحاجة اليوم الى تجربة الامام الراحل (ره) على صعيد مقارعة الظلم . تلك التجربة التي إن جرى طرحها على اساس مبدأ التقريب والوحدة الذي كان ينتهجه الامام الخميني ( ره) يمكن نقلها بسهولة الى الاخرين .
ويشير المقال الى ان مسألة العدالة لاسيما عدالة الحاكم هي من موضوعات علم الكلام والعقائد الاسلامية . فعلى سبيل المثال رسالة " العقيدة الطحاوية " لمؤلفها الطحاوي (230 حتى 320 ) هي من المراجع العقائدية المعروفة لاهل السنة حيث يتم الاشارة في الفقرة 72 منها الى موضوع ضرورة التبعية لحاكم الجور وعدم الخروج عليه باعتباره اصلا عقائديا (الطحاوي الحنفي، 1397، ص 11) . مشايخ السلفية مثل ناصرالدين الالباني (1333 حتى 1420ق) يقولون في شرح الفقرة السابقة من الكتاب ان الخروج والانقلاب على الحكومات العربية بدعة (الالباني، 1394، ص 33) . ومن المفسرين المعاصرين للعقيدة الطحاوية يمكن الاشارة الى عبدالعزيز بن باز (1330 حتى 1420ق)، محمد بن صالح العثيمين (1347 حتى 1421ق) و عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين (1352 حتى 1430ق) والجميع يفتون بحرمة الخروج على الحاكم .
مبدا الرضوخ للظلم هو مبدا تبلور في بعض حقب التاريخ الاسلامي ودخل الى المجال العقائدي بشكل تدريجي . اجمالا يمكننا القول بان ادلته الاساسية تصنف في اطار المصادر الروائية والعقائدية والفتاوى الفقهية . والمصادر الروائية هي بشكل عام التفاسير التي يكتبها المحدثون على هامش الروايات المتعلقة بمبدا الخروج على الحاكم المسلم .غالبية فتاوى مشايخ السلفية في هذا المجال تستند الى هذه الاحاديث والتي جرى نقل غالبيتها في الابواب المتعلقة ب" الامارات " او " فتن اخر الزمان " التي تم نقلها في "صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " وسائر الكتب الروائية لأهل السنة . على سبيل المثال وبناء على رواية من أبي هريرة في " صحيح البخاري (البخاري، 1400، حديث 7137) و "صحيح مسلم" (مسلم، 1412، حديث 1835) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "من اطاعني فقد اطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله و من أطاع اميري، فقد اطاعني ومن عصى اميري فقد عصاني" . يشار الى انه يجري التاكيد في بعض هذه الروايات الى ان طاعة الامير مقيدة بعدم معصية الله ، ولكن هذا القيد وفي الادب السلفي الرسمي لا يعني حق خروج الناس على الحاكم المسلم وان كان فاجرا . وعلى سبيل المثال ايضا جاء في حديث عن عبدالله بن عمر في "صحيح البخاري" (البخاري، 1400، حديث 7144) : "السمع والطاعة علي المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" .
من حيث مصادر الفتاوى الفقهية فان المواقع الرسمية لمشايخ السلفية هي مرجع مهم في هذا المجال . علي الحلبي وفي كتاب "البراهين الواضحات في حكم المظاهرات" يقدم قائمة تشتمل على اسامي ومؤسسات الافتاء والمشايخ الذين يفتون بحرمة الخروج على حكام الجور (الحلبي، 1432، صص 15 و 16) وهي كالاتي :
1. هيئة كبار علماء السعودية
2. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية
3.مركز الامام الالباني.
4.عبدالعزيز بن باز.
5.ناصرالدين الالباني.
6.محمد بن صالح العثيمين.
7.عبدالعزيز آل الشيخ.
8.عبدالمحسن العباد.
9.عبدالله بن سليمان المنيع.
10.صالح بن فوزان الفوزان.
11. بكر عبدالله ابوزيد.
12. عبدالله بن غُدَيان.
13.صالح الغصون.
14.عبدالعزيز الراجحي.
15. صالح آل الشيخ.
16.عبدالوهاب بن ابراهيم أبوسليمان.
17. عبدالله بن عبدالمحسن التركي.
18. عبدالله بن محمد آل الشيخ.
19. أحمد بن علي سير المباركي.
20. صالح بن عبدالله المطلق.
21. محمد بن عبدالكريم العيسي.
22. صالح بن عبدالرحمن الحصين.
23. سعد الحُصَين.
24.عبدالله بن محمد خُنَين.
25. عبدالكريم بن عبدالله الخُضَير.
26.محمد بن حسن آل الشيخ.
27. يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين.
28.علي بن عباس الحكمي.
29.محمد بن محمد المختار الشنقيطي.
30.قيس بن محمد آل الشيخ مبارك.
31. مشهور بن حسن آل سلمان.
32.علي بن حسن الحلبي.
33.محمد بن موسي آل نصر.
34.ابواسحاق الحويني.
35.محمد بن علي فركوس.
36.باسم الجوابرة .
37.حسين العوايشة.
38.اكرم زيادة.
39. زياد العبادي.
ان استخدام مثل هذه التفاسير لهذه الروايات كان يمهد الارضية للرضوخ للظلم في المجتمعات الاسلامية . وقد واجهت هذه العقيدة في التاريخ المعاصر بالعالم الاسلامي تحديا كبيرا منذ بداية انتصار الثورة الاسلامية الايرانية . فالثورة الاسلامية انتصرت بعد ان تمكنت من تخطي مبدا الرضوخ للظلم والاستعمار . وقد تحقق هذا الامر بفضل ثلاثة من كبار العلماء المجددين ، أي الامام الخميني والعلامة عبد الحسين الاميني والعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رحمهم الله . ان هؤلاء العلماء الافذاذ ومن خلال ابداعاتهم العظيمة على صعد الفقه السياسي وفقه التاريخ ( العقائد ) وعلوم القران مهدوا ارضية ثقافية في المجتمع والنخب المذهبية ، بات مبدأ الرضوخ لحكم النظام الجائر امر مستحيلا معها ، وما دامت هذه الارضية فاعلة وناشطة فان الثورة الاسلامية تسير في مسارها الصحيح .
تجدر الاشارة الى ان مبدأ الولاية مقدم على مبدا ولاية الفقيه الذي قدمه الامام الخميني (ره) وقد كان للعلامة الاميني حصة الاسد في احياء هذا المبدا في عصرنا الراهن . فحكام الجور والمستعمرين لايستطيعون ارساء دعائم حكمهم ما لم يوفروا الارضية لقبول ظلمهم . ورغم ان الثورة الاسلامية تبلورت في اجواء شيعية مرتكزة على نظرة التقريب بين المذاهب الاسلامية ، لكنها استطاعت ان تمهد ارضية المقارنة لسائر الشعوب لتعيد النظر في عقائدها حول مبدا التبعية للظلم . الدكتور ناصف نصار ( فيلسوف علماني لبناني ) وفي مقال نشره قبل اعوام من ثورات العالم العربي ، هكذا يشير الى التجربة الخصبة والجديدة للعرب في مقابل الثورة الاسلامية الايرانية : الثورة الاسلامية ظاهرة مثيرة في تاريخ العالم الاسلامي وفي تاريخ العالم الثالث . غرابتها واضحة من خلال ثوارها وجذورها واسلوبها في الاطاحة بالشاه ، ومن هنا فان هذه الثورة ظاهرة رائعة ومدهشة ، لم يشهد العالم العربي على مر تاريخه مثل هذه الظاهرة ولا ظاهرة قريبة منها . التحولات السياسية التي نشهدها في العالم العربي هي نتيجة الانقلابات العسكرية وشبه العسكرية او نتاج الحروب التي تتأجج من اجل تحرير الارض (نصار، 1997، ص 231).
ثورة الامام الخميني ( ره ) جاءت تأسيا بالامام الحسين ( عليه السلام ) . فالامام الخميني يؤكد انه ونظرا لمبدأ " في حال زوال الاصل فان بقاء الفرع لا معنى له " عزم على ان " يقارع حكومة الجور كما فعل سيد الشهداء عليه السلام ، وأخذ على عاتقه بألا يكف عن الجهاد مالم يكف عملاء الجور عن ممارسة الظلم والتلاعب بالاحكام الالهية ".(الامام الخميني، ج 1، ص 193) . فباعتقاد الامام النظام الظالم هو نظام شيطاني في حين ان النظام الالهي هو نظام الهي ولا ظلم فيه . ( المصدر السابق ، ج 12، ص 46).
وبعد ثلاثة عقود من انتصار الثورة الاسلامية الايرانية ، شكلت ثورات العالم العربي ظاهرة اخرى لتخلق تحديا آخر امام مبدا حرمة الخروج على الحاكم الجائر ( هذه المرة بين اهل السنة ) الى درجة انه يمكننا اعتبار اهم اوجه الصحوة الاسلامية في عصرنا الراهن بانها تتمثل في اعادة النظر في تفاسير الروايات التي تجيز حكم الحاكم الجائر . فعلى سبيل المثال نرى محمد نعيم محمد هاني (مصري)، ينتقد في كتابه "في سبيل التجديد لهذا الدين: مصر واخواتها في موازين الفقهاء ومناهج العلماء" موضوع نقل مسألة حرمة الخروج على الحاكم من كتب الفقهاء الى كتب العقائد وتبديلها لاصل عقائدي بين اهل السنة (الساعي، 2011، صص 161 و 162). كما ان ابو عبدالفتاح علي بن الحاج احد المشايخ الاخرين وفي تاليفات مثل "فصل الكلام في مواجهة ظلم الحكام" وكذلك "من الشواهد الشرعية والنماذج التاريخية على مشروعية الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات السلمية " يشير الى جواز مواجهة الظالم وشرعية المظاهرات السلمية ضد النظام الجائر ويسعى الى تقديم ادلة شرعية وتاريخية على صحة اقواله . وقد وصل الامر ببعض المشايخ السلفيين الى نقد احاديث الصحيحين ايضا كما كتب علي الحلبي ( سلفي اردني ) في نقد القرضاوي : لقد سمعت بالامس ان يوسف القرضاوي وصف حديثا من صحيح مسلم ( حيث حذيفة ) بانه ضعيف وذلك في سياق مناقشته لموضوع التظاهرات . في حين اننا نعتقد بعدم جواز هذا الامر تحت اي عنوان وحافز لما تترتب عليه من مفسدة لا يعرفها الا الله ونحن لسنا من القائلين بالتجربة ، مثل ان يقال بان التظاهرات في تونس نجحت وهذا مؤشر على نجاحها في مصر وقد تكون كذلك في سائر المناطق الاخرى . لان التركيز على التجارب التي تعارض السنن الالهية والاحاديث النبوية لا قيمة لها ... انا اعرف جيدا بان القرضاوي ليس من اهل الحديث ولا يعرف الحديث جيدا بل ولا يعرف عن الحديث شيئا ابدا ! مع ذلك يعتبر هذا الحديث ضعيف لانه حديث منقطع .
ورغم ان اعادة النظر هذه جاءت في اطار توجهات اهل السنة ، الا انها عمليا تحدت الاعتقاد " بوجوب تبعية الحاكم الجائر " ولذلك فانها اقتربت نوعا ما من مضامين الثورة الاسلامية الايرانية ، الا انه يحب الاخذ بالحسبان اختلاف عقائد ومعتقدات الفرق والملل الاسلامية وكذلك الظروف المختلفة لكل بلد مع الاخر وتجنب المقارنة المتسرعة بين الثورة الاسلامية الايرانية والثورات العربية . كما يجب الاخذ بنظر الاعتبار الاعتبارات السياسية لبعض المشايخ السلفيين على صعيد اتخاذ مواقف مزدوجة حيال ثورة الشعب البحريني والثورتين اللتين تفجرتا ضد القذافي وحسني مبارك .
ان نقطة الصدام بين وجهات النظر في خصوص وجوب الخروج على الظالم ووجوب التبعية له ، تتبين بوضوح في احياء مراسم البراءة من المشركين من قبل الامام الخميني ( ره ) والتي واجهت معارضة شديدة من قبل المخالفين للوحدة الاسلامية والتي ادت في النهاية الى استشهاد عدد من حجاج بيت الله الحرام (1407ق). فالامام الخميني وفي ندائه الموجه لحجاج بيت الله الحرام (6 مرداد 1366 / اول ذي الحجة 1407ق) يشير بصراحة الى انه وفي خصوص مسالة البراءة من المشركين لا ينبغي الاكتفاء باطلاق الشعارات ضد الكفار ، بل " طرد الاستعمار من الدول والاراضي الاسلامية " و " وازالة القواعد العسكرية الشرقية والغربية من الدول الاسلامية " و " وتأديب واصلاح الزعماء العملاء وفرض الرقابة عليهم " . ( الامام الخميني، ج 20، ص320) .
وكنموذج لرد مشايخ السلفية على هذه الدعوة الاسلامية يمكننا الاشارة الى ما جاء في كتاب "الالحاد الخميني في الارض الحرمين" للشيخ السلفي اليمني ، مقبل بن هادي الوادعي ( 1356تا 1422ق) . فهذا الكتاب هو رد على تاكيد الامام الخميني في خصوص اقامة مراسم البراءة من المشركين في الحج الابراهيمي ، والذي يصفه بانه فتنة الشيعة في الحج وان التظاهرات حتى وان كانت بهدف البراءة من المشركين هي بمثابة التشبه بالكفار ويقول : علينا ان ندرك بان هذا العمل ليس اسلاميا ، وانه لم يصلنا عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم) بان تخرج جماعة وترفع شعارا واحدا ، وهذا ليس الا تقليدا لاعداء الاسلام والتشبه بهم وهم الذين قال الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) في وصفهم " من تشبه بقوم فهو منهم " (الوادعي، 1407، ص 44 ) .
مثل هذه المواقف التي تصدر من مشايخ السلفية لاسيما تلامذة الالباني ، صدرت كرار وتكرارا تأتي بهدف الحفاظ على الحكومات الفاسدة في العالم العربي . فعلى سبيل المثال يقول علي الحلبي في كتابه "الدعوة السلفية الهادية وموقفها من الفتن العصرية الجارية"، والذي نشره ردا على الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا في 11 من جمادي الاول عام 1432ق ومع الاخذ بنظر الاعتبار لفتوى ناصر الدين الالباني الذي يفتي بحرمة التظاهرات بذريعة انها ظاهرة اوروبية وليست " وسيلة مشروعة لاصلاح الحكومة" يقول (الحلبي، 1432، ص 16): التظاهرات التي نشهدها في بعض الدول الاسلامية هي في الاصل خروج عن نهج المسلمين وتشبه بالكافرين وقال الباري عزوجل : وَمَن يشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُ الْهُدَى وَيتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا. (سورة النساء، الآية 115) .
لكن الامام الخميني يرى " ان المسلم لا يمكنه انه يوافق ويتعاون مع مراكز الظلم والجور " ذلك " الجهاز الذي محى ويمحي التعاليم الاسلامية واحدة تلو الاخرى " (الامام الخميني، ج 2، ص 287) . الهدف من الثورة ضد الظلم هو اداء التكليف واداء التكليف ليس مقيدا بالضرورة بالنصر والمكاسب الدنيوية . لذلك فانه يلفت نظر الذين كانوا يعتقدون بان الاطاحة بالحكومة الطاغوتية امرا مستحيلا الى مبدأ مهما في الثورة الاسلامية : كنت اقول لهم باننا نعمل بتكليفنا ، ولا يهمنا تحققه او عدم تحققه . اننا مكلفون من قبل الباري تعالى بان نقارع الظلم ؛ بان نقارع هذا الانسان المفترس ومصاصي الدماء . اننا نقارعهم بقدر ما نستطيع ، فان انتصرنا فذلك امر جيد والحمد لله ، وان لم ننتصر فالحمد لله ادينا تكليفنا . على المسلمين ان يعتبروا انفسهم مكلفين ؛ والا يتصوروا بان عدم انتصارهم يعني الفشل (الامام الخميني، ج ‏12، صص 321 و 322) .